التجديد الشعري في المشرق والمغرب

التجديد الشعري في المشرق والمغرب

توطئة: يرتبط التجديد الشعري من حيث انتماؤه المكاني المشرقي بظهور القصيدة الرومانسية بأبعادها الإنسانية وخصائصها الفنية وموضوعاتها المتناولة مثل الألم والحزن والقلق والحلم اعتمادا على الخيال مع الانتقال من فكرة إلى فكرة بأسلوب انسيابي، وتبدو من حيث وحدتها العضوية أكثر تآلفا وانسجاما مقارنة بالقصيدة الكلاسيكية، لذا تتسم بمضمونها العاطفي وقدرتها على التصوير واهتمامها بمظاهر الطبيعة بما هي ملاذ للتعبير عن آلامهم وهمومهم فهي بهذا المعنى عودة بالشعر إلى الذات بتجاربها وعمق تصوراتها ونظرتها في الحياة.

ومن التكتلات الأدبية التي انتهجت في أشعارها نهجا تجديديا نذكر تكتلين كان لهما دور لافت في مسار الشعر العربي الحديث؛ أولاهما جماعة الديوان وتضم كلا من عباس محمود العقاد(1889-1964)، عبد القادر المازني(1889-1949)، عبد الرحمن شكري(1886-1946) فالشعر من وجهة نظرها مناجاة الروح والخيال، وتعبير عن خواطر إنسانية وتشخيص للطبيعة ومحادثتها واللجوء إليها وقت الأزمات، وعليه أنصب اهتمام منظريها على البعد الوجداني للشعر ونشدان الحرية وتقديس العاطفة واللجوء إلى الحلم والرحيل عبر المكان بريادة البلدان البعيدة أو عبر الزمان بالارتداد إلى القرون الغابرة.

لذا آمن هؤلاء الأعضاء بالوحدة العضوية للقصيدة ووحدة الموضوع وسلاسة الأسلوب مع نبذهم للشعر المناسباتي الذي يعيق حركة الوجدان لهذا كان شعار جماعة الديوان:             ألا يا طائر الفردو    س إن الشعر وجدان

أما التكتل الثاني فمعروف بمسمى (أبولو) وهو تكتل أدبي ترأسه أحمد أبو شادي (تـ 1934) أسهم في

مسيرة الشعر العربي الحديث بما بذله رواده من جهود لأجل النهوض بالأدب العربي، ومن بين هؤلاء نذكر على سبيل المثال لا الحصر: علي محمود طه، أحمد رامي(1892-1981) وأحمد محرم(1877-1945) وإبراهيم ناجي(1898-1953) صاحب قصيدة (الأطلال) التي يقول فيها:

        يا فـــؤادي رحم الله الهــــــــوى      كان صرحا من خيال فهوى

        اسقني واشرب على أطلاله     وارو عني طالما الدمع روى

أما وقفاتهم الاستهلالية فلم تعد تخضع للزمان والمكان، مع التنويع في القوافي واللجوء إلى الأوزان الخفيفة المناسبة للتلحين والإنشاد، كما استقوا مضامين أشعارهم من مظاهر الحياة فأصبحت اللغة إيحائية لا قاموسية.

وما يميز القصيدة الرومانسية، فضلا عمّا سبق، تعمقها في تتبع مظاهر الكون والحياة المحيرة وبخاصة القضايا الوجودية (الموت/ الحياة) والظواهر الطبيعية (الشروق/ الغروب) والنوازع النفسية (الشقاء/السعادة) والأحوال الشخصية (الفرح/ البكاء)، وهو ما يفسر ميل شعراء هذا الاتجاه إلى توظيف الأسطورة والاهتمام بأثر الشعر لا بقصديته، يقول إبراهيم ناجي:

        هل أنت سامعة أنيني     يا غاية القلب الحزين؟

        يا قبلة الحب الخفـــــــي     وكعبـــــــة الأمـل الدفين

        إني ذكرتــــــــــــك باكــــــــــــيا     والأفـــــــــق مغبر الجبين

        والشمس تبدو وهْي تغ     رب شبه دامعة العيون

هي الصورة التي ارتسمت في ذهن الشاعر تعبيرا عن حالته النفسية بلغة كلماته وبإحساسه المرهف في مخاطبته للآخر، بما يكنه له من مشاعر الودّ فلا يرى إلا مملكة الجميل وقد تجسدت في أفق حزين باك ومساءٍ باك أوشكت شمسه أنْ تغيب.

وعند الحديث عن مظاهر الطبيعة وأثرها في الشعراء الرومنسيين نستحضر في هذا الصدد ما اصطلح عليه بالمسائيات في الشعر الحديث ومن ذلك قول خليل مطران:

        يا للغــــــــــــروب وما به من عبـــــــرة     للمستــــــهام وعبــــــــــــرة للـرائـــــــي

        أو ليس نزعا للنـــهار وصرعــــــتة     للشمس بين جنازة الأضواء؟

        أو ليس طمسا لليقيــــن ومبعـــــــــــثا     للشك بين غلائل الظلـــــماء؟

        أو ليس محوى للوجود إلى مدى    وإبـــــــــادة لمــعـــــــــــالم الأشيـــــاء؟

        حتى يكون النــــــــــور تجديــــــدا لها    ويكون شبه البعث عود ذكاء

ولهذا كانت الصورة في حضورها الفني رسما بالكلمات وتعبيرا عن إسقاط حالة الشاعر النفسية على مظاهر الطبيعة، وصورة ذات أبعاد جمالية أبرز ما فيها (الحيوية) لتكوّنها تكونا عضويا، وليست مجرد حشد مرصوص من العناصر الجامدة، ثم إن الصورة تتخذ أداة تعبيرية ولا يلتفت إليها في ذاتها فالقارئ لا يقف عند مجرد معناها بل إن هذا المعنى يثير فيه معنى آخر هو ما يسمى بمعنى المعنى.

خلاصة عامة: هكذا يتميز الشعر، وفقا لما ذهب أعضاء التكتلين السالف ذكرهما، ببعده الذاتي ومضمونه الإنساني الدّال على سعي للتجديد بناءً على نظرة واعية بأهمية هذا المُعطى في تفعيل الحركة الأدبية موازاة مع تطور النظرية النقدية، لذلك انصبّ الاهتمام على محاولة تجسيد الرؤى التجديدية بالتنويع على مستوى المنظومة الإيقاعية للقصيدة من حيث الأوزان والقوافي مع الاهتمام بالموسيقى الداخلية بإيقاعها الهادئ تارة والمتوتر تارة أخرى، فالشعر في مستواه النصي إذًا هو التعبير بالصورة عن وعي وإدراك لدورها في استكناه النفس. ولم يكن من السهل على هذا الرعيل من الشعراء المبدعين أن يتبنوا رؤى تجديدية لشكل القصيدة ومضامينها، دونما اهتمام بوحدتها العضوية في تجانسها والتئام عناصرها وتفاعل مكوناتها، فتنأى حينها عن التفكك والاضطراب الناجم عمّا يصطلح عليه بوحدة البيت.

خلاصة عامة: هكذا يتميز الشعر، وفقا لما ذهب أعضاء التكتلين السالف ذكرهما، ببعده الذاتي ومضمونه الإنساني الدّال على سعي للتجديد بناءً على نظرة واعية بأهمية هذا المُعطى في تفعيل الحركة الأدبية موازاة مع تطور النظرية النقدية، لذلك انصبّ الاهتمام على محاولة تجسيد الرؤى التجديدية بالتنويع على مستوى المنظومة الإيقاعية للقصيدة من حيث الأوزان والقوافي مع الاهتمام بالموسيقى الداخلية بإيقاعها الهادئ تارة والمتوتر تارة أخرى، فالشعر في مستواه النصي إذًا هو التعبير بالصورة عن وعي وإدراك لدورها في استكناه النفس.

ولم يكن من السهل على هذا الرعيل من الشعراء المبدعين أن يتبنوا رؤى تجديدية لشكل القصيدة ومضامينها، دونما اهتمام بوحدتها العضوية في تجانسها والتئام عناصرها وتفاعل مكوناتها، فتنأى حينها عن التفكك والاضطراب الناجم عمّا يصطلح عليه بوحدة البيت.

التجديد الشعري في المغرب العربي

توطئة: استطاعت القصيدة الرومانسية أن تتعدى بتأثيراتها الفنية حدودها التي ظهرت فيها فكان أن امتد هذا الأثر إلى الشعر في المغرب العربي بوصفه مظهرا من مظاهر التجديد شكلا ومضمونا نتيجة الأوضاع السياسية والأزمات الاجتماعية المشتركة في العالم العربي، إضافة إلى الحس الغنائي للذات العربية فكانت بذلك ثورة على القصيدة المحافظة إذ خرجت أحيانا عن الأشكال التقليدية المتوارثة بعودتها إلى الذات واتباعها خطى الحياة في شروقها وغروبها فكانت نابضة بالحياة والرؤى و بالعواطف التي تلفها تساؤلات إنسانية.

ومن الشعراء الذين عرفوا بمحاولة تموقعهم بين المشرق والمغرب نذكر الشاعر أبو القاسم الشابي؛ إذ كان عضوا في جماعة (أبولو) وفي الوقت نفسه لم تنسه العضوية واجب الانتماء إلى الوطن الأم (تونس) وما يقتضيه ذلك من رغبة في تحريره من قيود الاستعمار يقول الشابي(1909-1934) في قصيدته(يا ابن أمي):

        خلقت طليـــــــقا كطيف النسيـــــــم      وحرا كنور الضحى في سماه

        تغرد كالطيـــــــر أنـــــــى اندفعـــــت      وتشدو بما شـــــاء وحي الإلـــــــه

        وتمـــــرح بيـــــــــــــن ورود الصبـــاح      وتنـــــعم بالنـــــــور أنـــــــّـى تــــــــــــــراه

        وتمشي كما شئت بين المروج      وتقطف ورد الربــــــــــــــا في رباه

        كذا صاغك الله يا ابن الوجود      وألقك في الكون هذي الحياة

فما لك ترضى بــــــــــذل القيــــــــود      وتحني لمن كبــــــــــلوك الجبــــاه؟

هذا المضمون الشعري بأبعاده الثورية قائم على الدعوة إلى الانعتاق بأسلوب استفهامي تقريعي تكرر في مواضع متعددة، وفيه أيضا حثّ على الانطلاق نحو عوالم الحرية الفسيحة وما فيها من مظاهر الإحساس

 بمظاهر الطبيعة مجسدةً في قاموسها الموظف (النسيم، الضحى، الطير، الصباح، المروج، ورد الربا).

لقد واكب الشعر في المغرب العربي واقعا استعماريا متأزما استدعى ردة فعل من قبل الشعراء الذين يمثلون جزءا لا يتجزأ من المجتمع بوصفهم أصحاب رسالة ثورية، فكان ذاك سببا في ظهور الشعر الوطني الداعي إلى التعلق بالوطن واسترجاع الحقوق المهضومة يقول الشابي في قصيدته (إرادة الحياة):

إذا الشعب يوما أراد الحياة      فلا بد أن يستجيب القدر

        ولا بد لليـــــــــــــل أن ينــــــــــجلي      ولا بد للقيـــــــد أن ينـــــــكسر

        ومن لم يعانقه شوق الحياة      تبخر في جـــــوها وانـــــــدثر

        فويل لمن لم تشقــــــــه الحياة      من صفعة العدم المنكسر

        كذلك قالت لي الكائــــــــــــنات      وحدثني روحها المستتــــــــر

فالشاعر إحساسا منه بانتمائه الوطني وحرصا منه على النضال بالكلمة نلفيه مؤمنا بقضيته داعيا إلى تحرره بأسلوب سلس بألفاظه وعباراته التي تحفز الهمم من أجل كسر قيود المستعمر، والتطلع إلى غدٍ أفضل يسود فيه الشعب وينعتق من ذلّ الظلمة والطغاة.

ولمّا كان الشعر عند الشابي موصول بأبعاده الذاتية فإنه كثيرا ما يصوغه ممزوجا بعناصر الطبيعة ومظاهرها ومنها قوله في قصيدته(في سكون الليل):

        أيّها الليل الكئيــــــب     أيها الليـــل الغريـبْ

        من وراء الهـــــــــــــــول     من نقاب الظلماتْ

        في خلايــاك تراءت     لي أحزان الحيــــــاة

        ما أنا أرنـــــــــو فألفي    ك كـــجبـار حطيــــــمْ

        ساكنا جلّلك الحزن    وأضنـــــاك الوجـــــومْ

حيث تبدو ملامح التجديد في إسقاطه لنفسيته على مظهر من مظاهر الطبيعة (الليل)، بما فيه من ظلمة وسكون يقابله الحزن والوجوم، هذا من حيث المضمون أما من حيث الشكل فنلحظ توظيفا لأكثر من روي دون أن يمنع ذلك الشاعر من الحفاظ على وحدة البحر(الوافر) واستعمال المجزوء منه لسهولة نظمه على الشاعر ويسر حفظه على القارئ وقد يـُــــــفضل أحيانا الأبحر ذات التفعيلة الواحدة لانسيابية حركاتها وسلاسة إيقاعها.

وقد تطور مضمون الشعر عند الشعراء المغاربة بما يتناسب وواقع مجتمعاتهم فاهتموا بالشعر السياسي التحرري لتمجيد أبطال الثورة أو الشهداء ومنه قول مفدي زكريا في قصيدته (الذبيح الصاعد):

        قـــام يختــــــــــال كالمسيح وئيـــــــــــدا     يتهادى نشـــــوان يتـــــلو النشيدا

        باسم الثغر كالملائكة أو كالط     ــــــفل، يستقبل الصباح الجديدا

        شامــــخا أنفـــــه، جـــــلالا وتيـــــــها     رافـــــــعا رأسه، ينــــاجي الخلــودا

وإن من قصائده ما يتضمن أبعادا ثورية أكثر جرأة في مخاطبة المستعمر على ظلمه وجوره، يقول مفدي:

        أمن العدل صاحب الدار يشقى     ودخيـل بها يعيــــــش سعيـــــــدا؟

        أمن العدل صاحب الدار يعرى     وغريب يحتـــل قصــرا مشيدا؟

        ويجـــــــوع ابنــها، فيعــــــدم قــــــــــــــوتا     وينال الدخيــــل عيــشا رغيـــدا؟

        ويبيــــــــح المستـــــعمرون حمـــــــــاها     ويظـل ابنـــــها طريدا شـــــــــريدا

وهذا ما يدل على ارتباط الشعر بقضايا الوطن في أحلك ظروفه التي عانى من ويلاتها خلال الفترة الاستعمارية، فانبرى أثناءها الشعراء للتعبير عن وطنيتهم ومدى تعلقهم بأرض الأحرار، متخذين من لغة الشعر وسيلة من وسائل النضال بالكلمة من أجل التحرر والانعتاق من نير المستعمر.

وعلى الرغم من هذا التلازم بين الشعر ودوره الرسالي خدمة لقضايا الوطن بما له من قدسية خاصة بما هو مظهر تجديدي في مضامين القصيدة على الأقل في ارتباطها بمشكلات الواقع وتقلباته إلا أن النص الشعري عند مفدي لم يخل من محاكاة القدامى في أغراضهم ومنها غرض الغزل، مثل قوله في قصيدته (بنت الجزائر):

        ردي علــــــيّ أهـــــــازيجـــــي موقــــــــــعة      فقـــــــد أعـــارك وزنا قلبي الخفقُ

        واستأذني في رسالات الهوى قمرا     يرنــــو إليه كـــــلانا، حين يتســـــق

ولم يكن الشعر الثوري مقصورا على الشاعر مفدي زكريا ولكنّا نلفيه أيضا عند الشاعر محمد العيد آل خليفة على الرغم من كونه يعدّ محافظا وحظه من التجديد أقل مقارنة بغيره من الشعراء ممن سنحت لهم ثقافتهم وسعة اطلاعهم على تنمية ملكتهم الشعرية وفق قوالب واضحة، ومع هذا يستشعر القارئ لديوانه ارتباطا لبعض قصائده بالواقع وظروفه ومنها قوله في قصيدته (صرخة ثورية):

        إذا زلـــــزلت بالخطــــــــوب البلاد       فلا خيـــــــر في حـــــــــذر أو تقيـــــه

        تولـــــى الزمن الرضى بالهــــــوان      ووافـــــــى زمان الفــــــدى والضحيه

        أنصلى الجحيم ونسقى الحميم      ونرعى الوخيــم، ونُعطى الدنيّه؟

ويحيل توظيف الفعل (زلزلت) على معنى ديني مرتبط بأول فعل من سورة (الزلزلة)، إيذانا بقرب اندلاع الثورة التحريرية ورفضا للذل والصَّغار.

وخاض محمد العيد في السياسة أيضا محاولة منه لوصل شعره بقضايا عصره، مثل قوله في قصيدته(يا فرنسا):

        يــــا فــرنسا ردي الحقـــــــوق عليـــــــــــــنا     وأقلــــي الأذى وكفـــــــي الوعــــــــــــيدا

        نحن رغم الطغاة في الأرض أحرا     ر وإن خــالـــــنا الطغـــــــــــــــاة عبيـــدا

وعلى الرغم من هذا التلازم بين الشعر ودوره الرسالي خدمة لقضايا الوطن بما له من قدسية خاصة بما هو مظهر تجديدي في مضامين القصيدة على الأقل في ارتباطها بمشكلات الواقع وتقلباته إلا أن النص الشعري عند مفدي لم يخل من محاكاة القدامى في أغراضهم ومنها غرض الغزل، مثل قوله في قصيدته (بنت الجزائر):

        ردي علــــــيّ أهـــــــازيجـــــي موقــــــــــعة      فقـــــــد أعـــارك وزنا قلبي الخفقُ

        واستأذني في رسالات الهوى قمرا     يرنــــو إليه كـــــلانا، حين يتســـــق

ولم يكن الشعر الثوري مقصورا على الشاعر مفدي زكريا ولكنّا نلفيه أيضا عند الشاعر محمد العيد آل خليفة على الرغم من كونه يعدّ محافظا وحظه من التجديد أقل مقارنة بغيره من الشعراء ممن سنحت لهم ثقافتهم وسعة اطلاعهم على تنمية ملكتهم الشعرية وفق قوالب واضحة، ومع هذا يستشعر القارئ لديوانه ارتباطا لبعض قصائده بالواقع وظروفه ومنها قوله في قصيدته (صرخة ثورية):

        إذا زلـــــزلت بالخطــــــــوب البلاد       فلا خيـــــــر في حـــــــــذر أو تقيـــــه

        تولـــــى الزمن الرضى بالهــــــوان      ووافـــــــى زمان الفــــــدى والضحيه

        أنصلى الجحيم ونسقى الحميم      ونرعى الوخيــم، ونُعطى الدنيّه؟

ويحيل توظيف الفعل (زلزلت) على معنى ديني مرتبط بأول فعل من سورة (الزلزلة)، إيذانا بقرب اندلاع الثورة التحريرية ورفضا للذل والصَّغار.

وخاض محمد العيد في السياسة أيضا محاولة منه لوصل شعره بقضايا عصره، مثل قوله في قصيدته(يا فرنسا):

        يــــا فــرنسا ردي الحقـــــــوق عليـــــــــــــنا     وأقلــــي الأذى وكفـــــــي الوعــــــــــــيدا

        نحن رغم الطغاة في الأرض أحرا     ر وإن خــالـــــنا الطغـــــــــــــــاة عبيـــدا

نبتـــــــــــغي السلم والهــــــــدوء ونـــــــــأبى     أن يكـــــــــاد امـــــــــــرؤ لنا أو يكيــــــدا

فهو لا يتوانى في الردّ بطريقته على الظلمة محذرا إياهم لتسلطهم وتجبرهم، وفي الآن نفسه ينفى العبودية والاستكانة عن هذا الشعب المسالم.

وقد كان له محاولات تجديدية في الشعر التمثيلي ومنها على الخصوص مسرحيته (بلال بن رباح؛ ألفها سنة 1939، تتميّز فنيا بالحوار السردي الشعري، وتعالج معنى الصبر وقوة اليقين الإنساني في الحياة ومجابهة الظلم والطغيان على الرغم من العذاب الشديد، وأن الإنسان يقدس الحرية والأفكار المعبر عنها؛ يقول في مقطع من مقاطعها على لسان بطلها:

 لو أني كنـــــــــــــت حـــــرا      صدعت بالدين صدعا

        كتمــــت دينـــــــــي كتمــا      لم أدخـــــــر فيــــه وســــــــعا

        لو يعلــــــم القــــــوم أني      عفـــت الطواغيت جمعا

        ودنـــــــــت بالله ربـــــــــــــــا       ودينـــــه السمــــــح شرحــــــا

        لأوجـــــعوني ضـــــــربا       وأوسعــــــــــــوني قـــــــــرعـــــــــا

فهذه الأبيات حوار داخلي (مونولوجي) يتضمن صراع الحرية مع العبودية، والشرك مع الإيمان، والقوة مع الضعف، ويعكس روح التحدي للطغاة الظلمة، وبالمقابل تتأسس المسرحية في مقاطع أخرى على أشكال أخرى للحوارات ومنها الحوار الثنائي مثلما يُـــــــلحظ في حوار أمية بن خلف وبلال:

أميّة: وأيضا أتاني اليوم أنّك آبق

بلال: أنا آبق؟

أمية: مذ صار قلبك آبقا

        تغادر سرا وتأتــــي محمـــــــدا        وتهجو له عاداتنا والخلائقا

        وتسمع ما يتلوه فينا محمد        فيغدوا بما يتلوه قلبـــــك عالقا

بلال:  أجل سيدي قد كان ذاك حقيقة     كما قال لا أخفي عنك الحقائقا

والظاهر أنّ مضمون الحوار الدائر بين الشخصيتين مستوحى من الصراع العقدي بين فيئتين؛ إحداهما ضالة الأخرى مؤمنة، وهي الأفكار التي تأسست عليها المسرحية لتدل على ما للشاعر من ثقافة دينية تشبع بها في ريعان شبابه.

خلاصة عامة: إنّ القول بوجود نتاج شعري بانتماءٍ جغرافي خاص يدل على ثراء فكري إيجابي يفيد الحركة الإبداعية بنأيها عن سلطة الشرق وأبوته الروحية؛ التي كثيرا ما كانت سببا من أسباب انكفاء تجارب المغرب العربي الأدبية على نفسها لعدم وجود وسائل ترويج لأدبائه سواء أكانت تلك الوسائل إعلامية أم مؤسساتية، ممثلة فيما يقدم من تسهيلات خاصة بتوفير دور النشر والتوزيع، وهي الشروط التي لم تتوفر بالقدر الكافي لظروف تاريخية مرتبطة بما تعرضت له هذه المنطقة من ظروف استعمارية قاهرة.

ومن المهم التأكيد ههنا على أن التقسيم للشعر العربي لا يطرح في سياق ثنائية المشرق/ المغرب جدلية معينة قائمة على التعارض في شكل النص الشعري ومعناه أو تجنح لتفتيت المكون الشعري العربي في كليته، بل تبدو المسألة متعلقة في طروحاتها الفنية بحركة شعرية تشترك في جوهرها اللغوي ومواقفها وبنياتها، وتختلف في مضامينها وقصدياتها لارتباطها بواقعها الخاص الذي ظهرت فيه.

لقد كان للشعراء المذكورين، تمثيلا وتوضيحا، إسهامهم الفعال في مسار تطور النص الشعري بهويته اللغوية وانتمائه المغاربي، وطرقه للموضوعات ذات الصلة براهن المنطقة في ظل حاجة المجتمع إلى توعية أفراده خدمة لقضايا الأمة المصيرية، وهذا ما يدل على أهمية توجيه المضامين المطروقة نحو الشعر السياسي التحرري والشعر الاجتماعي الإصلاحي.    

Soyez le premier à ajouter une critique.

Veuillez vous connecter pour laisser un commentaire